اخترت لكم هذه القصة من كتاب كليلة ودمنة .
كليلة ودمنة هوكتاب كتبه الفيلسوف الهندي بيدبا منذ أكثر من عشرين قرنا ، يرمي إلى تهذيب النفس والإصلاح وكونه موضوع على ألسنة الحيوانات تجد فيه مزج بين الجد والهزل ، واللهو والحكمة والفلسفة .
نقله من الهندية إلى الفارسية الطبيب برزويه .
ثم ترجمه من الفارسية إلى العربية عبد الله بن المقفع الذي عاش بين عامي ( 724 _ 759 م ) .
الحمامة المطوقة
نصب صيادا شبكته ونثر عليها الحب وكمن قريبا منها ، فلم يلبث إلا قليلا حتى مرت به حمامة يقال لها المطوقة وكانت سيدة الحمام ، ومعها حمام كثير . فعميت هي وصاحباتها عن الشرك فوقعن على الحب يلتقطنه فعلقن في الشبكة كلهن . وأقبل الصياد فرحا مسرورا . فجعلت كل حمامة تتلجلج في حبائلها وتلتمس الخلاص لنفسها . قالت المطوقة : لا تتخاذلن في المعالجة ولاتكن نفس إحداهن أهم إليها من نفس صاحبتها . ولكن نتعاون جميعنا ونطير كطائر واحد فينجو بعضنا ببعض . فجمعن أنفسهن ووثبن وثبة واحدة فقلعن الشبكة جميعهن بتعاونهن وعلون بها في الجو . ولم يقطع الصياد رجاءه منهن وظن أنهن لا يجاوزن إلا قريبا حتى يقعن .
التفتت المطوقة فرأت الصياد يتبعهن فقالت للحمام : هذا الصياد جاد في طلبكن ، فإن نحن أخذنا في الفضاء لم يخف عليه أمرنا ولم يزل يتبعنا ، وإن نحن توجهنا إلى العمران خفي عليه أمرنا وانصرف . وبمكان كذا جرذ هو لي أخ ، فلو انتهينا إليه قطع عنا هذا الشبك . فلما انتهت المطوقة إلى الجرذ أمرت الحمام أن يقعن فوقعن . ونادت المطوقة على الجرذ فأجابها من جحره : من أنت ؟ قالت : أنا خليلتك المطوقة .ثم أخذ الجرذ في قرض العقد الذي فيه المطوقة ، فقالت له المطوقة : ابدأ بقطع عقد سائر الحمام وبعد ذلك أقبل على عقدي ، فأعادت عليه ذلك مرارا وهو لا يلتفت إلى قولها . فلما أكثرت عليه القول وكررت قال لها : لقد كررت القول علي كأنك ليس لك في نفسك حاجة ولا لك عليها شفقة ولا ترعين لها حقا . قالت إني أخاف إن أنت بدأت بقطع عقدي أن تمل وتكسل عن قطع ما بقي ، وعرفت أنك إن بدأت بهن قبلي وكنت أنا الأخيرة لم ترض ، وإن أدركك الفتور ، أن أبقى في الشرك . قال الجرذ : هذا مما يزيد الرغبة فيك المودة لك . ثم إن الجرذ أخذ في قرض الشبكة حتى فرغ منها ، فانطلقت المطوقة وحمامها معها .